مرآه ومنوعات
في خيامهم البلاستيكية.. كيف يوفر البدو وجبة عشاء دافئة في ليلة مطر غزيرة
السبت , 22/02/2020 01:52:00 PM  
كَتَّبَ : محمد خيري
كتبت / ياسمين رجب : مُتكئة على عصاها، انحنت خضرة سليمان بزيها البدوي الفضفاض على موقدها الطيني، لتزفر الهواء في النار حتى تصاعد دخانِ كثيفِ أزكم الأنواف وعبأ خيمتها، فسارعت بوضع قدر من المياه عليه، لتبدأ مهمتها المُعتادة في ليال المطر الغزيرة؛ والمُتمثلة في إعداد "عيش المَنقد" الذي تلجأ إليه في ظل إغلاق المخابز المُتاخمة لوجودها بالأراضي الزراعية رفقة أغنامها، بإحدى قرى "شربين" بالدقهلية. بينما كانت الشمس تتجه صوب المَغيب، فرغت خضرة من إعداد عجينها، لتتركه بعض الوقت، فيما نهضت لتهش أغنامها بعيدًا عن خيمتها المهترئة التي انتهت لتوها من رتقها، عقب اشتداد المطر والبرد في الأيام الماضية "الشتا بيدخل عليا الخيمة.. البطاطين والمرتبة بتعوم في المياه في عز الليل"، فتهرع-عبثًا- لتنقذ ما يمكن إنقاذه، منتظرة انتهاء المطر، حتى تنتقي مكانًا داخل الخيمة لم يغزوه المطر بكثافة "أروح أفرش مفرش بلاستيك وأحط عليه المرتبة والبطاطين تاني وبيكونوا متغرقين مياه". لا تعرف السيدة البدوية سوى حياة الخيام، لذلك اعتادت الاستعداد جيدًا لفصل الشتاء "بنجيب مفارش بلاستيك ونخيطها على الخيمة"، غير أن ذلك كان دون جدوى لما شاهدته هذا الشتاء من أمطار وغزيرة وبرد قارص "بنقل من أرض لأرض كل شوية.. بدور على مكان مفهوش مطرة"، يقاطعونها أحفادها ليسألونها عن الخبز، فتنتبه إلى أنه حان وقت تنفيذ مهمتها، تشمّر عن ساعديها، تأخذ في خَبَز عجينها بينما تتعالى أنفاسها "كنت بطلت خبيز.. بس الأفران مبتفتحش يوم الشتا". تحلّق أحفاد المرأة الستينية حولها، منتظرين انتهائها من تلك المهمة المرهقة، ليظفروا برغيفِ يسد رمق جوعهم ويقيهم من برد الشتاء، فيما تأمرهم بالابتعاد عن موقدها الطيني ما أن تضع عليه إحدى القطع الحديدية التي تساعدها في تسوية الخبز بمراحله الأخيرة التي لم تمنعها من مداعبتهم من آن لآخر، لتصرف نظرهم عن النار المتصاعدة التي يتعمدون الاقتراب منها للتدفئة "كل يوم متعودة أروح أجيب العيش من الفرن.. النهاردة مفتحش فجريت أعمل لقمتين للعيال". لم تتوقف الجدة عن السعال بين الحين والآخر أثناء خبيزها، تُعزي ذلك لإصابتها بوعكة صحية في أعقاب ليلة شتوية قارصة البرودة "بشرب ينسون كتير.. مبقدرش أروح للدكتور كل لما أتعب لأن معاشي ميكفيش"، تقول بينما تنهض واقفة، لتقسم خبزها بينها وأحفادها الذين هرولوا تجاه خيمتهم، ليتناولوا وجبة عشاءهم رفقة أمهم وأبيهم "بغلي اللبن وبحط العيش فيه"، تختصر الأم الثلاثينية وصف وجبة عشائهم بهذه الكلمات. على غير عادتها، منعت "أم هاشم" نفسها من تناول اللبن رفقة أبنائها الخمسة وزوجها، لتحظى بكوب من الينسون بدلًا منه، بناءً على نصيحة أحد الصيدليين لها، لإصابتها بوعكة حصية نتيجة البرد "أول ما الشتاء يجي بشتري شاي وينسون كتير.. فلوسي متقدرش غير على دول بندفي بيهم مع اللبن"، تنثني أمام نارها، لتزفر الهواء بها، ومن ثم تجلس بجوارها؛ علّها تشعر بالتدفئة اللازمة لجسدها، شاخصة بصرها صوب زوجها وأبنائها بينما يحكمون الأغلال حول أغنامهم. لا تستصعب الأم حياتها في العراء سوى في الليالي الماطرة؛ لاسيما عقب انجابها "أول ما بنتي تسمع صوت الرعد بتتفزع ويغمي عليها"، فما أن يحل الشتاء يجثم على صدرها هم ثقيل يتضخم ما أن يعلو صوت الرعد "بجهز الينسون والعلاج بتاعها جانبي"، بالإضافة إلى أنها تلازمها الفراش، لتتدثر بجسدها الضئيل؛ علّه يُطمئنها، يقاطعها زوجها ليأمرها بإحضار العشاء، فتنهض لتقديم اللبن والخبز لهم بينما يتحلقون حولها بينما تحتسي الينسون.